بعد تفكير بسيط توصلت الى ان المشكلة الاساسية ليست مشكلة القيل والقال ، فهي مشكلة يمكن حلها ببساطة ان اراد المجتمع ذلك ، كيف ؟ بان يقطع كل القيل والقال بالتثبت من اي معلومة تقال ، فعند بداية نقل المعلومة يسأل ناقل هذه المعلومة ، من اين اتيت بها ، او ماهو مصدرك ؟ حتى وان قال الشخص بان مصدري فلان او انني سمعتها باذني او رايتها بنفسي – وغالبا لن يقول ذلك لان المعلومة غير دقيقة من الاساس - فبالامكان كذلك التثبت والتحقق عن طريق سؤال الشخص الذي تتعلق به القضية مباشرة ، وبذلك نقضي تماما على هذه المشكلة ।
ولكن مشكلتنا هي في عدم التثبت ، فاي معلومة تقال تصبح مباشرة حقيقة ويتناقلها الكل من دون اي تثبت ، خصوصا ان الانسان يهوى الحديث عن اخطاء الاشخاص الاخرين . هذا والاسلام يمنعنا من الولوج في هذه الاقاويل ، سواء عن طريق الظن ( .. ان بعض الظن اثم .. ) او بامره لنا بالتثبت ( .. ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. ) ولكننا مع ذلك نساهم في نشرها .
كم علاقة انتهت او ساءت لمجرد سماع اشاعات ليست صحيحة ، كم زواج انهار لان احدهم لم يتحقق من صحة معلومات نسبت للطرف الاخر ।
لنترك الامور الدنيوية وننتقل الى رب العزة جل جلاله ولنتصور الموقف كما يصورة القرآن الكريم لنا ، يقول الله سبحانه وتعالى في اواخر سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ॥ ) ، هذا السؤال كما يقول المفسرون هو تصوير لموقف السؤال يوم القيامة ، فالله سبحانة وتعالى يسأل سيدنا عيسى هذا السؤال يوم القيامة كما يذكر المفسرون ، بل كما هو تسلسل الايات فالله سبحانة وتعالى يقول بعدها بثلاث ايات (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) وهذه اشارة واضحة الى انها يوم القيامة ।
مررت على هذه الاية مرات ومرات ، ولم تستوقفني كما استوقفتني عند سماعي لها لاخر مرة بصوت القارئ توفيق الصايغ ، رب الجلالة وهو العالم بماكان وماسيكون يتحقق – وحاشاه ان يكون لايعلم – من دقة قول نسب الى سيدنا عيسى عليه السلام – وحاشاه ان يقوله – ولكن بني اسراءيل نشروا هذه الكذبة بعد ان رفع الله سيدنا عيسى الية ، وبدأوا يؤمنون بها كعقيدة ودين ، فالله سبحانة وتعالى يعلمنا هذا الدرس - حتى انا رب العزة الذي لاتخفى علي خافيه اسال عبدي المعصوم الذي اصطفيته من بين سائر البشر لينقل رسالتي ، عن معلومات مغلوطة نسبت اليه ، الله سبحانه يرينا ان التثبت لا ينقص من قدر الشخص شيء ابدا ، بل يرفع من مقامه ويبعده عن الوقوع في الخطأ الذي يوصلك الى الاعتذار فيما بعد ।
فما بالنا نحن عبيد الله سبحانه وتعالى لانتثبت من اشخاص هم اقل من سيدنا عيسى عليه السلام ، حول مواضيع هي اقل من الشرك بالله سبحانة .
مااعظمه من درس رباني ، ومااعظمنا من مجتمع لو اننا طبقنا هذا الدرس بحذافيرة ، تصوروا معي كم سيكون العالم اجمل لو اننا تثبتنا من كل مايقال لنا ..